interview /alwatan

Publié le par association afrika

غائبون من الإعلانات الإشهارية ونشرات الأخبار:لماذا يتم إقصاء المغاربة السود من الإشهار؟

 

 

موجز: هل يمكن أن نعتبر إقصاء ذوي البشرة السوداء من الإعلانات الإشهارية ومن نشرات الأخبار بالقناتين العموميتين نوعا من العنصرية أو تحقيرا وعدم اعتراف بهذا اللون الذي هو جزء من الهوية المغربية؟ ومن هو الذي ينظر إلى السود المغاربة بهذه النظرة الاحتقارية؟ هل هم المستشهرون؟ أم الذين يصنعون الإشهار؟ أم الذين يتلقون الإعلانات الإشهارية؟ أم إدارة القناتين أم وزارة الاتصال.

عندما نشاهد الإعلانات الإشهارية بالتلفزة المغربية (بقناتيها)، نعتقد أن المواد المعلن عنها هي الأساس في هذه الإعلانات. هذا الاعتقاد صحيح، لأن المعلنين (أصحاب المنتجات) يستهدفون من إعلانهم هذا المستهلك الذي سيسارع لاقتناء هذه المواد. لكن صناع الإشهار عندما ينجزون هذه الإعلانات، ينجزونها عبر إكسسوارات وديكورات يكون الإنسان أحد أطرافها، بل هو الأساس فيها.

الإشهار في التلفزيون وفي الملصقات الورقية والإلكترونية المعروضة في الشوارع وفي الفضاءات العمومية، يأخذ حيزا كبيرا من انتباه الناس واستهلاكهم له. لذا تجدهم في حالة إغراء تجاه الإعلانات الإشهارية. إنهم لا يقبلون إلا الصور التي يفرضها عليهم متخيلهم الجمعي، وتتوافق مع القيم الجمالية التي تبهجهم وتحول المواد الاستعمالية إلى أدوات للفرجة والمتعة.

التواطؤ ضد السود

فالفرجة والمتعة في الإشهار لا يحققها، إلا توظيف الجنس البشري ذي البشرة البيضاء أو السمراء أو حتى الصفراء، لكن الجنس البشري ذا البشرة السوداء في إشهارنا الوطني يبدو أنه لا يحقق هذه المتعة والفرجة. إذ نلاحظ أن الإعلانات الإشهارية خالية من الرجال والنساء السود، وحتى إن هم تواجدوا في هذه الإعلانات فلكي يؤدوا دورا هامشيا ينتمي إلى الرق، كما نجده في إشهار «أتاي النجمة» (البيض، رجالا ونساء يغنون فرحا بالشاي، بينما الرجل الأسود وظيفته تقتصر فقط على صب الشاي ليس إلا).

فهل يمكن أن نعتبر هذا التعامل، في الإشهار، مع ذوي البشرة السوداء نوعا من العنصرية أو تحقيرا وعدم اعتراف بهذا اللون الذي هو جزء من الهوية المغربية؟ ثم من هو الذي ينظر إلى السود المغاربة بهذه النظرة الاحتقارية؟ هل هم المستشهرون؟ أم الذين يصنعون الإشهار؟ أم الذين يتلقون الإعلانات الإشهارية؟

إن المنتوج المقدم في الإشهار لا يحيل فقط على نفسه، بل يحيل أيضا على من يقدمه. فلا يمكن، مثلا، أن نفصل مادة الحليب عن من يقدمها أو من يشربها. المعلنون وصناع الإشهار يتواطئون فيما بينهم. إنهم يختارون بدقة الأجساد والوجوه التي سوف توظف في الإشهار لتقديم المنتوج للمشاهد الذي سيصبح فيما بعد مستهلكا للمنتوج. هذه هي الصورة الطاغية على كل الإعلانات الإشهارية. مادة الحليب بيضاء ولا يمكن أن يقدمها إلا ذوو البشرة البيضاء (أطفالا ونساء ورجالا)، وكذلك بالنسبة لكل المواد، سواء كان لونها أبيض أو أصفر أو حتى بنيا أو مائلا إلى السواد.

فكيف ينظر الفاعلون الإشهاريون والمهتمون بمجال الإشهار إلى هذا التمييز بين الأبيض والأسود في صناعة الإعلانات الإشهارية؟

«في الإشهار، يقول حميد فريدي (مخرج وأحد المهتمين بمجال الإشهار) لا نجد فقط ذوي البشرة السوداء هم المهمشين، بل كل عينات المجتمع التي لا تشكل الأغلبية. فالإشهاري في إعلاناته يتطرق دائما إلى عينة محددة، ويعتبرها مهمة بالنسبة إليه، ومن ثم يقدم لها المواد المراد الإعلان عنها عبر مواصفات محددة..» ويضيف قائلا، إن صور الإشهار تكون جاهزة عند المعلنين وصناع الإشهار. فالصور التي تقيم في أذهانهم لا مكان فيها للسود والجانبيين والهامشيين. فرب الأسرة والزوجة وأطر الشركات لا يمكنهم في نظر هؤلاء أن تكون بشرتهم سوداء، وكأن الإشهار له مواصفات محددة سلفا لا يمكن تجاوزها، وإلا فشلت الإرسالية الإشهارية في أداء مهمتها. «إن المتتبع للإعلانات لا يمكنه إلا أن يرى أجسادا ذات بشرة بيضاء، ووجوها مبتسمة، وملامح وقورة.. فكي أبيع لك منتوج «دانون» ينبغي أن أقدمه لك عبر طفل صغير أبيض كالحليب، يبتسم وينظر إلى أمه التي لا يمكن إلا أن تكون هي الأخرى بيضاء كالحليب...»

الإقصاء من النشرات

فمن المسؤول عن هذه الوضعية التي تستثني شريحة واسعة من المجتمع المغربي؟ هل هو المستشهر؟ أم صانع الإشهار؟ أم المستهلك؟ «يبدو لي، يجيب حميد فريدي، أنه المتخيل الجمعي من يتحكم في هذه الوضعية العنصرية. ومن هنا من الصعب على الإشهاري أن يشتغل بعيدا عن هذا المتخيل، وإذا ابتعد عنه فسيجد صعوبة في ترويج منتوجه..»

تهميش المغاربة السود من الإعلانات الإشهارية، هل هو بالفعل نابع من المجتمع المغربي؟ يرى محمد العروصي (فاعل ومهتم بمجال الإشهار) أن طبع العديد من المغاربة يميل إلى النظرة العنصرية لذوي البشرة السوداء، فهم لا يقبلون، سواء وعوا بذلك أو لم يعوا، «الراجل لكحل والمرأة لكحله تتصدر الإعلانات الإشهارية». من هنا يستند أصحاب الإشهار على إنجازهم للإعلانات، مستبعدين منها كل ما يثير المشاكل، وحتى إن استعانوا في إحدى إعلاناتهم بذوي البشرة السوداء فلغرض تثبيت هذا التهميش والإقصاء، ذلك لأنهم يسعون، على حد تعبيرهم، إلى إظهار الأشياء الجميلة. إن لسان حالهم يقول «لماذا سآتي برجل أكحل والأبيض موجود.. ثم علاش غادي نجبذ على راسي الصداع؟» لكن الفاعل الإشهاري محمد العروصي يؤكد، هو أيضا، أن أصحاب الإشهار ليسوا هم المسؤولين عن هذا التهميش، بل إن السياق المغربي هو الذي يفرض عليهم التعامل بهذا الشكل تجاه ذوي البشرة البشرة السوداء والحمريين... فهذا التهميش لا يطال السود فقط في الإعلانات، بل حتى في نشرات الأخبار في التلفزيون المغربي، وحتى في الأعمال الدرامية، فنادرا ما نجد أدوار البطولة تسند إليهم، إن لم أقل بأنها منعدمة.

لعل الميز العنصري يكاد يكون هو السائد في هذه النازلة الإشهارية. فنور الدين عيوش (صاحب وكالة شمس للإشهار) هو أيضا يعتبر أن شركات الإشهار لا تميل إلى التعامل مع ما يصفونهم المغاربة «البيض» بـ «ضراوة» أو «عوازا». «فمعظم المغاربة لديهم رؤية خاصة في الجمال، وتتمثل عندهم في ذوي البشرة البيضاء أو الصفراء». هذه النظرة، بالنسبة لنور الدين عيوش آتية من الثقافة التي يتلقاها المغاربة.. «ففي الكتب المدرسية لا نجد مكانا للسود، كل الأمكنة في المناهج والكتب المدرسية مخصصة للبيض». وأعتقد، يضيف نور الدين عيوش، أن المعلنين وبعض صانعي الإشهار يعتبرون أنهم إذا استعملوا السود في إعلاناتهم ستصاب منتوجاتهم بالكساد، فالناس في نظر هؤلاء لا يقتنون المواد المعلن عنها المقرونة برجال أو نساء سود.

قمة العنصرية

 ومن جهته يرى عدي ليهي (رئيس المكتب الوطني لجمعية أفريكا لمناهضة الميز العنصري بالمغرب) أن الإقصاء الممارس على المغاربة السود في الإشهار ناتج عن عقلية إقصائية يمارسها الموقف الرسمي للدولة تجاه هؤلاء. فالعقلية التجارية المغربية التي من المطلوب أن تكون محايدة، نراها تسقط ضحية هذا الميز العنصري على مستوى اللون. وكان الأحرى بها ألا تكون ذيلية للسياسة الرسمية للدولة، وأن تتعامل في وصلاتها الإشهارية مع جميع مكونات الشعب المغربي. فلا يعقل، يضيف عدي، أن نهمش السود المغاربة في صناعة الإشهار، ونطلب منهمة اقتناء المنتوجات الإشهارية.

وإذا اتفق معظم الفاعلين في مجال الإشهار والمعلنين أن المنتوج الذي يعلن عنه عبر ذوي البشرة البيضاء، سيصح إذن القول بأن توظيف السود في الإشهار لا يحقق أي متعة أو فرجة للمشاهدين أو المستهلكين. وهذه هي قمة العنصرية.

 

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article